المغرب الجديد :
خالد مصباح فاعل جمعوي وحقوقي
يندرج هذا النقاش بمناسبة انتفاضة و رد فعل قطاع المحامين بجميع هيئاته على المستوى الوطني،وبعض مكونات العدالة بالمغرب،عبر بعض التعبيرات الاجتماعية لموظفي كتابة الضبط ايضا،جراء الإجراء المتعلق بالولوج الى المحاكم بجعل جواز التلقيح هو الوسيلة الوحيدة لدخول هذا المرفق،مما يؤكد ملاحظة غاية في الاهمية،الا وهي ضعف الاشراك في اتخاد القرار العمومي،احيانا،واقصاء بعض مكونات هذا المرفق العمومي أحيانا أخرى،مما يقودنا إلى تأكيد حقيقة اكبر من هذا بكثير ،وهي مؤسفة للغاية اكثر مما سبق ذكره،ذات العلاقة بعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى البعض ومن موقع صانعي القرار العمومي،للعمل بشكل جدي وحقيقي لتفعيل الديمقراطية التشاركية عبر إعمال آليات التشاور والحوار العمومي في انتاج القرارات والسياسات العمومية من طرفهم ببلدنا،وذلك ضدا على كل المقتضيات الدستورية والمواثيق الدولية لحقوق الانسان ذات الصلة بهذه القضية.ولذلك فإنني اعتبر أن ما يقع الآن بالبلاد من ممانعة ومن ردود فعل إيجابية وحضارية وسلمية إتجاه قرارات انفرادية،وأحادية الجانب،كلما وقعت،و في مثل حالتنا هاته التي تتعلق بتقييد الولوج إلى مرفق حيوي واستراتيجي في البلاد وهو العدالة،و ما ادراك ما العدالة،وعدم اشراك بعض مكوناتها وخاصة هيئات المحامين وما لها من رمزية حقوقية ومهنية وقوة تأثير في جسم القضاء،وكذا باقي اطراف جسم العدالة بالبلاد،ولذلك يعتبر هذا القرار خارج السياق الدستوري بالبلاد،وتجاوز للمعايير الدولية التي التزمت بها،في الوقت الذي كان من المفروض فيه ان يتم توسيع دائرة التشاور اكثر وادق و أوسع ومع الجميع،لضمان اكبر مشاركة عمومية ممكنة في مثل هكذا قرارات،لضمان حسن سير المرفق العمومي في احسن الظروف والاحوال.ولذلك فإن الحرص من طرف جسم العدالة في هذه النازلة، على احترام القانون والحريات العامة،وتفعيل آليات التشاور العمومي بشكل واسع،لا هو أمر مطمئن جدا على مسار البلاد ومستقبلها بالنظر لمستوى هذه اليقظة المجتمعية ونضجها،وكذلك الحرص على تفعيل التدبير الديمقراطي والعقلاني حتى في هذه الظروف الاستثنائية،مثل ما نمر به اليوم جميعا في ظل جائحة كورونا،والتي بالضرورة لا يجب ان تكون فرصة امام اي احد كيفما كان للاجهاز على الحقوق والحريات العامة،ومناسبة لتعطيل ضمان مشاركة مواطنة وفاعلة لكل مكونات وتعبيرات المجتمع في صناعة القرار العمومي ببلدنا.و يمكن ان نسجل في المقابل أن مثل هذا التعنت الحاصل الآن في الاستجابة للمطالب المشروعة والملحة لمختلف تعبيرات قطاع العدالة ومكوناتها المهنية والاجتماعية و الحقوقية وغيرها….في ايجاد حلول مستعجلة وآنية،لتجاوز هذا الاحتقان الذي يعيشه هذا القطاع،بما ينعكس على حقوق وحريات المواطنين والموطنات ومجال ولوجهم/هن الى العدالة بشكل سهل وسلس،فاكيد سيساهم هذا المنطق اذا لم تتم محاربته،في تقويض كل فرص بناء اسس سلم اجتماعي حقيقي منشود، واستقرار سياسي يؤسس لدولة الحق والقانون و بناء دولة المؤسسات المنشودة.ولذلك فإن ما يجري ويسير بالبلاد،يفرض ان نعيد و نؤكد و بقوة،الى واجهة النقاش العمومي الجاد و المسؤول،ومن موقع المجتمع المدني بالبلاد، أن مسألة الديمقراطية التشاركية،وآلياتها في تدبير الاختلاف وفي ضمان المشاركة المواطنة الواسعة،ليس شعارا فارغا و ليست قضية للاستهلاك والترويج الاعلامي الفج فقط،بل هي قضية مركزية واساسية،وجب الاستمرار في الترافع الدائم والمستمر من اجلها، في افق تنزيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة،وكذا مأسسة آلاليات التشاركية للحوار والتشاور العمومي لتوسيع قاعدة صناعة القرار السياسات من جهة،وكذلك ضمان جودة وقابلية هذه السياسات والقرارات للقبول والتنزيل من جهة ثانية.وهذا لن يتأتى الا عبر الانكباب الجدي والمسؤول على تغيير المنظومة القانونية للجمعيات، وتحسين المناخ العام الذي يشتغل فيه القطاع الثالث الا وهو المجتمع المدني ،يراعي روح دستور 2011 والمنحى العام الذي ذهب فيه،في رفع منسوب الفعل الديمقراطي،حيث انه منذ الاستقلال الى حدود دستور 1996،جاء ذكر المتجمع المدني مرة واحدة،يؤكد على “حق تأسيس الجمعيات من طرف المواطنين والموطنات والانضمام إليها”.فقط وفي هذه الحدود،حيث ظلت قضية جمعيات المجتمع المدني مختصرة في هذا الفصل دون تفاصيل اخرى تذكر.ولكن في ظل دستور 01 يوليوز 2011,جاء ذكر المجتمع المدني 15 مرة دفعة واحدة،كلها مقتضيات هامة ساهمت في خلق مساحات واسعة،للفعل المدني المشاركة في صناعة القرار العمومي والترابي،ورغم كل هذا التراكم التشريعي والحقوقية بالبلاد،فلازالت الهوة كبيرة بين النص القانوني والدستوري،والممارسة الفعلية في كل مستويات إتخاد القرار سواء على المستوى الترابي الذي يفقتدوا أغلب مدبروه للاسف القناعة اصلا بإعماله،لسوء فهم خاطئ و كبير بين الفاعلين الترابيين المنتخبين ومكونات المجتمع المدني،واحيانا بداوعي ومبررات مبنية اساسا على فهم خاطئ يعود اصلا إلى ضعف القدرات والتكوين لدى هؤلاء النوع من المسؤولين الترابيين،وبالتالي فإن غياب الاستيعاب الجيد لهذا الأمر و فهمه بالشكل الصحيح والجيد.أصبح يقتضي منا جميعا وخاصة الفاعلين والمهتمين بالشأن الترابي والمجالي والعمومي،و بشكل ملح،واكثر من ذي قبل، العمل على تقوية استراتيجية الترافع،من اجل تنزيل كل هذه المقتضيات الدستورية عبر سن قوانين اكثر الزامية لهذا الأمر،واخراج القانون الإطار للتشاور العمومي،الذي ظل حبيس الرفوف،حيث يعتبر هو السند الحقيقي في نظري، لضمان المشاركة المواطنة والواسعة والمتساوية والمتكافئة للجميع،و ذلك بالتنصيص وبشكل غير ملتبس وبمقتضيات قانونية الزامية وضامنة فعليا، و حقيقة لمصداقية الفعل العمومي على جميع المستويات،في مجال إتخاد القرار.وايضا ميسرة و مسهلة لسلم اجتماعي حقيقي،مبني على قواعد الفهم المشترك بين كل المكونات والحساسيات المجتمعية،ومستوعبة بشكل معقول ومقبول للاكراهات والاشكالات المطروحة امام التنمية الترابية و التنمية المستدامة بشكل عام.
وفي ذلك فليتنافس كل مكونات السياسات العمومية و المجالية والترابية.وليس بمنطق شد الحبل وتصفية الحسابات والتوجس الفارغ، وخلق حروب دونكشوطية خاوية على عروشها،ستكون البلاد ومستقبلها واستقرارها هي الضحية الأولى والأخيرة لها، ومصالح وحقوق وحريات مواطنيها ومواطناتها قابلة للانتهاك في كل لحظة وحين.ما لم يتم صون هذه الضمانات القانونية بمرجعية حقوقية صارمة،مبنية على اساس قانوني معياري ممأسس و سليم..