في اعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية و إسرائيل

بقلم :الشرقاوي الروداني

السياسة هي فن الممكن و الدول مطالبة بتأقلم مع متغيرات النظام الدولي الذي هو في صلبه ديناميكي و ليس static . و من تم فإن المصالح الاستراتيجية تبقى هي المحدد الثابت في اي تصور استراتيجي ، و تخضع عبر ذلك للمجموعة من التقييمات الشاملة يكون فيها الكل تحث المجهر و ليس الجزء، هو أساس اي نهج دبلوماسي.
إعادة فتح قنوات الاتصال للمملكة المغربية مع إسرائيل أمر مهم بالنسبة للقضية الفلسطينية، وأكاد أجزم بأنه حماية للقضية الفلسطينية، و كذلك لعملية السلام في الشرق الأوسط برمته. أما من يريد خلق ضجة وتأويلات لا أساس لها من الصحة و يغرد بمنطق عاطفي مجاني فارغ المحتوى من أي أساس علمي و إشرافي، فهو لا ينظر إلى الأمور بمنطق تاريخي و استراتيجي و ذلك راجع للعدة أسباب.
اولا، الشعب المغربي، ملكا وحكومة و شعبا، كان دائما و لا يزال مع حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة و الشعب المغربي دفع ثمنا باهضا، و لا داعي للتذكير بدماء الشهداء المغاربة في الجولان و المؤامرات التي تعرضت لها التجريدة العسكرية المغربية في أحد المعارك الكبرى مع إسرائيل. ثانيا، الدور الكبير الذي قام به المغفور له، الملك الحسن الثاني، وهو متواصل و غير منقطع مع جلالة الملك محمد السادس، في هندسة اتفاقيات كبرى للدفع بعملية السلام في وقت كان صعبا وكانت إسرائيل على وشك فرض أمر واقع عسكريا وسياسيا لا رجعة فيه.
الاحترام الكبير للمملكة المغربية و دورها في صنع سلام دائم جسده حضور ملوك ، رؤساء، و رؤساء حكومات دول كبيرة في الجنازة المهيبة للمغفور له الحسن الثاني و تصريحات كل الأطراف بما فيهم المرحوم ياسر عرفات على الدور الكبير الذي قامت به المملكة المغربية في إحلال السلام وهذا ليس سرا على أحد حتى عند الأطراف الداخلية داخل فلسطين. بينما كانت الجزائر تسخر أموالها و خارجيتها ، ولازلت، للضرب مصالح المغرب الإستراتيجية و وحدته الترابية، كانت الرباط تدير معارك كبرى و تواجه مؤامرات ضد القضية الفلسطينية حتى من أطراف عربية التي تعيش و تسترزق من هذه القضية.
لا يمكن لاي احد ان يعطي للمغاربة الدروس في القضية الفلسطينية، فالاعتبار الكبير لهذه القضية عند جميع مكونات الشعب المغربي من مؤسساته الرسمية وغير ذلك، هو ما جعل هذه القضية قضية مبدأ دافع عليه المغرب في كل المحافل الدولية من خلال مبادرات دبلوماسية مهمة و في كل المحافل بل ما زالت محددا في ترتيب اي علاقات دولية للرباط.
العمل الكبير الذي يقوم به جلالة الملك محمد السادس نصره الله في لجنة القدس والذي غالبيته لا يكون موضوعا إعلاميا متداول مهم جدا وكبير. هذا الأمر تجسد، ما مرة، على مستوى علاقات المملكة المغربية مع الإدارات الامريكية المتعاقبة على البيت الأبيض. الرسالة التي بعث بها جلالة الملك إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستنكرا أمر القدس لم يستطع اي قائد عربي أن يفعلها. بالإضافة إلى التواصل المستمر والغير المنقطع مع المملكة الهاشمية الأردنية في شخص جلالة الملك عبد الله الثاني، صاحب الوصاية وخادم الاماكن المقدسة، فان توقيع القائدين على نداء القدس، فكرة مغربية خالصة، لم يكن من أجل خدمة أجندة معينة أو التأثير من أجل مساعدات مالية من أطراف دولية أخرى. نفس الشئ يمكن أن نقوله عن العمل الدبلوماسي الجبار و المؤثر والذي تجسد ايضل في اتصالات للجلالة الملك، بصفته أمير المؤمنين و رئيس لجنة القدس، مع بابا الفاتيكا فرنسيس و توقيعه على” نداء القدس ” بحمولة دينية، سياسية وثقافية دولية.
على المستوى الاستراتيجي، فإن مسألة إعادة قنوات الاتصال بين المملكة المغربية و إسرائيل مهمة من أجل فتح آليات التأثير جديدة للمملكة المغربية في المساهمة في صناعة سلام دائم، خصوصا وأن مجموعة من المحددات الجديدة أصبحت تؤثر على القضية الفلسطينية و قد تنسفها.
و من تم فإن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تحولات خطيرة بدأت ملامحها تظهر الان في العراق و بعض العلاقات المشبوهة للأطراف فلسطينية، دون الدولة، مع إيران و التي تبقى بمشروعها الجيوسياسي و الجيو ديني قادرة أن تخلخل معادلات الأمن و الاستقرار في القوقاز، سوريا و حتى في شمال إفريقيا.
وبالتالي، فإن مسألة إعادة قنوات الاتصال بين المملكة المغربية وإسرائيل ليست تطبيعا بالمفهوم الشرق الأوسطي لأن لم تكن المملكة المغربية يوما في مواجهة جيوسياسية أو عسكرية بل بالعكس هناك معابد يهودية في المغرب و قانون يهودي يرتب أمور المغاربة من اصل يهودي و الذين يعيشون في بلدهم الأم في أمن و سلام . زيادة على ذلك، المملكة المغربية لا تحتاج إلى سفير في تل أبيب لان هناك مئات الآلاف من المغاربة ذو الديانة اليهودية يدافعون باستماتة قل نظيرها عن مصالح المغرب الإستراتيجية في كل المحافل الدولية، ولم يتنصل مسؤول إسرائيلي، ذو اصول مغربية، يوما ما من أصله المغربي، بل كان يجهرها بها إعلاميا وبافتخار، شأن ذلك المملكة المغربية التي أقرت في دستورها على ان المكوِّن العِبري يُعتَبَر أحد روافد الهوية الوطنية، دون ان ننسى “بيت الذّاكرة”، الذي دشّنه جلالة الملك محمد السادس في شهر يناير من السنة الجارية 2020. هذا الفضاءٌ التاريخي، والثقافي، والروحي جاء لحفظ الذّاكرة اليهوديّة المغربيّة وتثمينِها. في هذا الصدد، مكانة المغرب عند اليهود المغاربة تترجمها صور جلالة الملك محمد السادس نصره الله والمغفور له الحسن الثاني والتي توجد في بيوت عديدة في مدن و قرى في إسرائيل و شوارع كثيرة تحمل أسماء ملوكنا..
يقول هيجل أصل الاعتراف هو أصل الحضارة…فهل اعترفت الجزائر بجهود المملكة المغربية ودماء الشهداء المغاربة في حرب تحريرها؟ هل اليوم نتكلم عن تصريحات فرحات عباس ويوسف بن خدة و بنبلة وغيرهم حول أهمية الدور الكبير للمملكة المغربية ملكا و شعبا في استقلال الجزائر..؟ لا ثم لا
إذن المملكة المغربية دخلت مرحلة عدم التنازل عن مصالحها الاستراتيجية التي تخدم الشعب المغربي و التي تؤمن للمغاربة قاطبة مستقبلا زاهرا و وفاءا لهؤلاء المغربيات و المغاربة الذين قادوا المسيرة الخضراء، و وفاءا لكل جنودنا البواسل التي الذين ضحوا بأرواحهم حفاظا على وحدة المغرب و استقراره. و من تم فإن النهج الدبلوماسي الواقعي و الذي فرضته The Realpolitik يفرض علينا التأقلم و الاستعداد لمجابهة تحديات مقبلة جد صعبة على مستوى النظام الدولي المقبل.

الشرقاوي الروداني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.